معاناة بعد النزوح
فضيلة البالغة من العمر 45 عاماً, إمراه من مديرية القاهره بمحافظة تعز ، متزوجة ولديها ثلاثة أطفال ،عاشت طفولة قاسية حيث إنفصل والديها وعمرها لم يتجاوز السبعة أشهر وعاشت مع زوجة أبيها والتي كانت تعاملها بقسوة فكانت فضيلة تتألم كثيراً من تفضيل إخوتها غير الأشقاء عليها وبالرغم من أن والدها كان رجل علم ألا انه حرمها من التعليم وحينما بلغت من العمر 18 عاماً زوجها والدها لرجل لا تعرفه وعاشت معه ظروف معيشية صعبة فقد كان زوجها عاطل عن العمل بسبب كسله ورغبته الشديدة بالإسترخاء ،فقررت أن تعمل في مجال خياطة الملابس وبالفعل بدأت بخياطه الملابس وتحسن دخل الأسرة واستطاعت ترميم منزل قديم يملكه والد زوجها. خلال هذه الفترة مكث الزوج في المنزل معتمداً على ما تحصل عليه زوجته من خياطة الملابس ولكن كثرة الأعباء الإقتصادية على فضيلة، مما جعلها تستدين مبلغ من المال لشراء فيزه سفر لزوجها حتى يتمكن من السفر للسعودية للبحث عن عمل فسافر الزوج إلا أنه ظل كما هو بدون عمل ،إستمرت غربته 15عاماً ولم يرجع حتى الآن تاركاً لها وحيدة هي وأطفالها متحملة كافة الأعباء .
ومما زاد الأمر سوءاً نشوب الحرب في المدينة وتعرض الحارة التي تقطن فيها فضيلة للقصف من قبل الطيران مما سبب مخاوف شديده لها ولأبنائها خاصة أبنتها الكبرى .اشتدت الحرب فأُجبرت فضيلة وأطفالها على الفرار الى محافظة إب تاركه خلفها ماكينة الحياكة، مصدر رزقها الوحيد.
تقول فضيلة: ” هربنا ليلاً من القصف المستمر، لم نستطع أخذ حاجتنا معنا ،أطفالي كانوا يبكون ويرتجفون من الخوف، لم يكن الأمر سهلاً ولكن حاولت التظاهر بالقوة حتى لا يقلق أطفالي أكثر "
ونظراً لأرتفاع الإيجارات في محافظة إب لم تستطيع فضيلة إستئجار شقة لتسكن فيها هي وأطفالها ، وأضطرت للعيش في بيت خالها الذي كان قد نزح قبلها ،تأثرت الحالة كثيراً من معاناة النزوح وهجر زوجها لهم دون أي إحساس بالمسؤولية ،فظهرت لديها أعراض إضطراب النوم والأكل والشرود والعزلة الإجتماعية والمخاوف والبكاء المتواصل وعدم الرغبة في الحياة وفقدان الثقة بالنفس والذهول التام .
"لا يوجد شيء أصعب من النزوح ، أولادي توقفوا عن الدراسة، خسرت عملي وبيتي وكل شيء والأصعب من ذلك هو عدم تواجد زوجي بجانبنا عندما عشنا معاناة النزوح " قالت فضيلة .
تم إحاله فضيلة إلى مركز الدعم النفسي التابع لمؤسسة الرعاية النفسية التنموية عن طريق منظمة إتحاد نساء اليمن وعندما وصلت إلى المركز تم دراسة حالتها وحصلت على كرت العلاج المجاني ليتم إدراجها ضمن المستهدفات من خدمات المركز ،حيث تم تشخيص حالتها بالإكتئاب والوسواس القهري الناجمين عن تجاربها المؤلمة أثناء النزوح والصراع.
تقول الأخصائية المشرفة على حاله فضيلة: "عندما وصلت فضيلة إلى المركز ، كانت تخاف من أي صوت يصدر معتقدة أنه صوت إنفجار وأن شيء مخيف سوف يحدث لها"
".
بعدها خضعت فضيلة لبرنامج علاجي يتضمن خطة علاجية دوائية و علاج نفسي غير دوائي الذي بدأ بتحديد المشكلات وترتيبها حسب الأولوية وإيجاد حلول لهذه المشكلات من وجهة نظر المريضة وكذلك تعديل الأفكار السلبية لديها وعمل جلسات في إدارة الغضب ورفع تقدير الذات، وبعد مرور ما يقارب الأربعة أشهر من خضوعها لعدد من الجلسات النفسية والمتابعة الدوائية لوحظ تحسن المريضة وتلاشي العديد من الأعراض مثل البكاء المتواصل والأرق بالإضافة إلى الحزن .
تم تشجيع فضيلة على إعادة بناء قدرتها في خياطة الملابس ،فذهبت الى مدينه تعز وأحضرت ماكينة خياطتها وعادت لخياطة الملابس وبيعها لأقرابها وجيرانها وعندما رأت العائد المادي تشجعت كثيراً وأكدت فضيلة على أن روحها المعنوية تحسنت.
تقول فضيلة " بعد أسابيع من جلسات الدعم النفسي في المركز تحسنت حالتي بشكل كبير ،المساعدة التي تلقيتها من قبل الأخصائيات الذين ساندوني ووقفوا إلى جانبي كانت سبباً في تجاوز معاناتي"
وتضيف “منذ فترة وجيزة تمكنت من خياطة قُرابة 20 قطعة ثياب متنوعة وبيعها،حالياً أعمل على توسيع مشروعي حتى استطيع تحمل تكاليف معيشتي أنا وأولادي "
لتبدأ فضيلة حياتها من جديد بخطى أكثر ثباتاً وتماسكاً ،لتغادرنا ولمعة الأمل في عينيها، شاكرة كل الطاقم على الجهود المبذولة ومساندتهم لها لتخطى محنتها .
قصة فضيلة تشبه المئات من القصص للنساء اليمنيات حيث أدى النزاع إلى نزوح عدد كبير من المدنيين من مناطقهم، وغالباً ما تكون النساء هن الفئة الأكثر تضرراً وسط أهوال الحرب .
مركز الدعم النفسي مشروع تنفذه مؤسسة الرعاية النفسية التنموية بتمويل من صندوق الأمم المتحدة للسكان في مديرية المشنة محافظة إب. ويقدم المشروع خدمات الدعم النفسي المتخصصة والغير متخصصة مستهدفاً الناجين من العنف القائم على النوع الإجتماعي والنساء والفتيات المعرضات للعنف القائم على النوع الإجتماعي .