بمساعدة مركز الدعم النفسي ... استطاعت رجاء كسب معركتها مع الإعاقة
" أهلكِ يحبوكي غنية وزوجكِ يحبكِ عفيّة" هكذا ابتدأت رجاء ( أسم مستعار ) المرأة الأربعينية سرد قصتها مع زوجها الذي قابل الإحسان والوفاء بالنكران والإساءة والجحود.
تقول رجاء بأن حياتها كانت جميلة جداً ومستقرة وهادئة ، لكن سرعان ما تغير كل شيء وهي في الثلاثين من عمرها، وذلك في لحظة اكتشافها بأنها مصابة بداء السكري حيث أشارت الفحوصات أن نسبة سكر الدم في جسمها عالية وهذا يعني أنها ستخوض حرباُ شرسة مع هذا المرض ، وهذا ما حدث بالفعل فسرعان ما تدهورت صحتها ابتداءً بضعف النظر ومن ثم وظائف الكلى لتصاب أخيراً بتقرحات القدم السكري وتضاعف الأمر حتى أصيبت بالغرغرينا، ليقرر الأطباء حينها بتر ساقها، بداية الأمر رفضت رجاء قرار الأطباء .مرت الأيام والألم يزداد شدة، لتضطر للرضوخ وتقبل بتر ساقها وذلك حفاظاً على سلامتها، لتتحول بين عشية وضحاها إلى إنسانة عاجزة ومعاقة لا تستطيع الحركة إلا حبواً ،وتجد صعوبة بالغة في أداء أبسط المهام كزوجة وأم لستة أبناء،وقع الصدمة كان كبيراً جداً على رجاء حيث إنها لم تستطع تقبل فكرة أنها أصبحت امرأة معاقة بحاجة إلى المساعدة الدائمة ممن حولها، فأصبحت كثيرة البكاء ومنعزلة وترفض الخروج لمقابلة أحد.
تقول رجاء: " كان أكثر شي يزعجني هو نظرات الشفقة من الآخرين الذين استمروا في التعامل معي طوال الوقت بأعتبار أني فقدت شيئاً ، لذلك قررت الانعزال عن الآخرين "
وفي ظل هذه المعاناة خذلها زوجها والذي من المفترض أن يساندها، فقد كان كثير التذمر من الحال الذي أصبحت عليه؛ حيث أصبح يغيب عليها لأيام، ولم يعد يرغب برؤيتها ،وبعد سنوات من النكران والهجران قرر الزواج بأمرأة أخرى بحجة أنها لم تعد صالحة كزوجة وحين رفضت رجاء زواجه من أمرأة أخرى قابل رفضها بالاعتداء اللفظي والجسدي متناسياً كل ما قدمته من أجله ،ولم يفكر ولو للحظة بأن يرد لها ولو جزء بسيط من جميلها عليه.
تضيف رجاء :" عندما قرر الأطباء بتر ساقي أصبت بصدمة ، ولكن الأصعب كان موقف زوجي وخذلانه لي ، لم أُصدق أنه سيتزوج فعلاً ، رغبت في الانتقام منه ، أحسست بخيبة أمل ، وخذلان وظلم ونكران الجميل ، جميل سنوات العشرة السابقة ، وتحمل مرارة العيش ، ومصاعب الحياة حيث اني ساندته وأعطيته المال الذي ورثته عن أبي ومجوهراتي ولكن هكذا يجازيني ".
النكران والجحود عمق لديها الشعور بالعجز وانعدام القيمة، لتسيطر عليها الأفكار السلبية والتوجس المستمر ، واشتدت حسرتها على نفسها بعد ان احضر الزوجة الثانية للمكوث معهم في نفس المنزل ،فبدأت تمر عليها أيام بلا نوم مع شعور بالضيق وفقدان المتعة بالحياة نتيجة ذلك أهملت بيتها وابنائها بل وتعاملت معهم بعصبية وعدوانية .
لاحظت إحدى الجارات معاناة رجاء وأقنعتها بأن وضعها يحتاج لمساعدة نفسية متخصصة، لكنها رفضت هذه الفكرة خوفاً من أن يقال عنها مجنونه بجانب وصفها بالمعاقة لكن جارتها لم تشعر باليأس وأصرت واستمرت بإقناعها بكل الطرق حتى أنها قامت بمشاركة رقم الخط الساخن التابع لمؤسسة الرعاية النفسية التنموية ،لتتصل رجاء بأخصائية الخط الساخن والتي وضحت لها أهمية الدعم النفسي وأنها ستتلقى الخدمة بسرية تامة ، والذي شجع رجاء أكثر هو تواجد المركز في نفس الحي الذي تسكن فيه لتوافق رجاء أخيراً حيث طلبت من جارتها أصطحابها الى مركز الدعم النفسي .
تقول الإخصائية النفسية: "استقبلنا رجاء في المركز وتمت دراسة حالتها ومن ثم تم عرضها على الطبيب النفسي المختص بالمركز الذي شخص حالتها بالاكتئاب الشديد ليقرر لها الدواء المناسب الذي يتم الحصول عليه مجاناً من المركز، كما حولهاللأخصائية النفسية من أجل الجلسات النفسية العلاجية".
خضعت رجاء للجلسات النفسية التي تم فيها استخدام فنيات متعددة من العلاج السلوكي المعرفي، كما تم تدريبها على تمارين الاسترخاء التنفسي وتثقيفها بأساليب التنفيس الانفعالي وكيفية التعامل مع الضغوطات، مما يساعدها على التمتع بالصلابة النفسية وتمكينها من مواجهة الصدمات النفسية المحتملة.
وتضيف الاخصائية المتابعة: "مع انتظام رجاء بحضور الجلسات والتي استمرت لشهرين استطاعت تجاوز معاناتها وأصبحت متقبلة لذاتها وأكثر انفتاحاً مع الآخرين، واختفت التوجسات ومظاهر الضيق والقلق التي كانت تلازمها وظهرت عليها مشاعر الرضا".
كما تم عقد جلسات إرشاد أسري تضمنت الزوج تم فيها توعيته وتثقفيه بوضع زوجته وبالأساليب الصحيحة للتعامل مع زوجته وذلك باعتبار توعية الزوج حلقه من الحلقات التي ستساعد وتدعم شفاء المريضة .
تتحدث رجاء عن ارتياحها للأخصائية النفسية وتقول: "لن أنسى دعمها لي أبدًا، أستمعت لي باهتمام وعناية كبيرين ،لم يكن الأمر سهلاً ولقد شفيت كثيرًا بعد الدعم النفسي الذي تلقيته بعد ان كنت هاربة من واقعي لكن الآن اشعر بأني قوية ومتقبلة ما حدث وذلك بفضل مركز الدعم النفسي "
بدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان ، نفذت مؤسسة الرعاية النفسية التنموية مشروع مراكز الدعم النفسي بمحافظتي إب وتعز مستهدفاً الناجين من العنف القائم على النوع الإجتماعي والنساء والفتيات المعرضات لخطر العنف القائم على النوع الإجتماعي. خلال العام 2022 قدمت خدمات الدعم النفسي التخصصية وخدمات الدعم النفسي المركزة غير التخصصية لأكثر من 18000 مستفيدة .