الخميس, 15 ديسمبر, 2022

عادات وتقاليد جائرة وزواج مبكر

مودة ( أسم مستعار )   انثى تبلغ من العمر 27 عاماً لم تعش طفولتها كباقي الفتيات، فقد تم تزويجها مبكراً، وهي لم تتجاوز ال 18من عمرها، إلى منطقة تبعد عن رداع مسكنها الأصلي مئات الأميال، ومن سوء حظها أن هناك عادة قبلية جائرة متعارف عليها عند الزواج هناك، وهي ألا تعود إلى منزل والدها إلا بعد عدة أشهر من زواجها، الأمر الذي أشعرها بأنها في مكان أشبه ما يكون بالسجن، بعيدة عن أسرتها وصديقاتها، ومع أسرة غريبة من الصعب أن تعتاد عليها من أول وهلة، لا تعرف عنهم أي شيء، وممنوعة تماماً من أي تواصل مع أسرتها.

وبسبب صغر سنها وقلة خبرتها في الحياة لم تجد (مودة )سوى البكاء وسيلة للتعبير عن ما تشعر به؛ لأنها لم تجد من يشعر بها، فقد كانت تتعرض للضرب من زوجها والعنف اللفظي من أسرته بعد كل نوبة بكاء، وعندما ضاق بها الحال قررت الهروب؛ عائدة إلى منزل والدها، ملاذها الوحيد والآمن، مع شعورها بالفرح كونها تمكنت من الخروج من السجن والعذاب إلى الحرية ، لكن الأمور جرت على عكس ما توقعت ، فبمجرد وصولها إلى منزل والدها قام أحد إخوتها الذكور  بضربها ضرباً مبرحا دون رحمة؛ وذلك خوفاً من كلام الناس، لأنها خالفت العادات والتقاليد، وعادت قبل انتهاء الأشهر المحددة لها بعد الزواج،  ليس ذلك وحسب، بل قام  بإعادتها إلى بيت زوجها رغماً عنها، متجاهلاً توسلها وبكاءها وسيلان الدم من رأسها!

تقول مودة "هربت حافية إلى منزل أهلي ، ولكن أبي لم يكترث ليسمع ما جرى لي وأعادني قسراً الى منزل زوجي ”

لتعود مودة منكسرة إلى بيت زوجها، الذي بدوره تابع مع أسرته سلسلة الإهانات لها، وبشكل مستمر، بسبب مخالفتها للعادات ،وأيضًا استضعافها بعد تصرف إخوتها الأخير معها وبالرغم من ذلك صبرت وتحملت لأنها تعلم بأن مصيرها العودة إلى منزل زوجها مهما فعلت..

 مرت الأيام والأشهر و مودة تعاني كل يوم أكثر من سابقه؛ فهي في دائرة من الإهانات والضرب والعمل الشاق في المنزل، وقد زاد من معاناتها وآلامها إحساسها بأنه لا مفر من منزل زوجها بعد أن أصبحت حاملة بطفلها الأول.

كل هذه المعاناة عجلت بظهور الأعراض المرضية عليها كالحزن والانطواء والبكاء وعدم القدرة على النوم، بالإضافة إلى العصبية والصراخ، وهو ما جعل زوجها يقوم بإرجاعها إلى منزل والدها، وهي حامل بطفلتها، ولم يكتف بذلك بل نعتها بالمجنونة.

وماكان من أسرتها إلا أن استقبلتها بعدما نهش هذا الزواج طفولتها وابتسامتها وجمالها، وماهي إلا أيام قليلة بعد عودتها إلى منزل والدها حتى رزقت بطفلتها الأولى ،ومع  ذلك لم يبادر زوجها حتى بالسؤال عنها أو الاطمئنان عليها وعلى مولودتها ،وهو ما جعل الأعراض تشتد عليها أكثر فأكثر؛ حيث أصبحت عدوانية وعصبية وحاولت الانتحار وإتلاف كل شيء حولها، بالإضافة إلى سلوكيات شاذة وغريبة كتغيير صوتها والحديث بصوت طفلة لم تتجاوز السابعة من عمرها. .

الحالة السيئة لمودة جعل أسرتها تقرر معالجتها، وذلك بالذهاب إلى عدد من الشيوخ؛ ظنا منهم بأن مس قد أصابها، ولكن دون جدوى، بعدها تم الذهاب إلى أكثر من طبيب، ولكن كل جهودهم  لم تثمر، بسبب رفضها للعلاج وبعد مدة من مرضها تم انتقال الأسرة من منطقة رداع إلى مدينة تعز بسبب عمل الأخ. 

وبمجرد أن رأتها إحدى جاراتهم في الحي الجديد بادرت بإخبارهم عن مركز دعم نفسي ذاع صيته ويستقبل مثل هذه الحالات ويقدم جميع الخدمات مجاناً، ليتم إحضارها بعد ذلك إلى مركز الدعم النفسي كمحاولة أخيرة منهم في مساعدة ابنتهم، وفور وصولها جلست مع الأخصائية النفسية التي عملت لها دراسة حالة، بعدها تم تحويلها إلى الاستشاري الذي قرر إدخالها قسم الرقود التابع للمركز لحاجتها الماسة إلى ذلك؛ بعد تشخيص حالتها بالفصام الوجداني، من أجل أن تبقى تحت الملاحظة بشكل مستمر، إلى جانب خضوعها للجلسات النفسية.

تقول الاخصائية المتابعة لحالة الناجية "تم إدخال مودة قسم الرقود ونظرات التوجس والخوف ظاهرة عليها، وهي ترفض أن يقترب منها أي شخص أو يحاول الحديث معه،ولكن مع مرور الأيام بدأت تطمئن من أن كل من حولها هدفهم مساعدتها، لتبدأ برنامج الجلسات النفسية جنباً إلى جنب مع متابعتها دوائيًا"

وفي الجلسات النفسية تم التركيز على أكثر من محور: كالتحليل النفسي لمعرفة الأسباب والضغوطات التي تعرضت لها مودة والسلوكي المعرفي لتغيير الأفكار والمعتقدات وإكسابها مهارات عديدة منها: المرونة وحل المشكلات، وأيضا كانت هناك جلسات أسرية مع إخوتها من أجل توفير وتهيئة جو أسري داعم لها بعد الخروج من قسم الرقود، لاحقاً تم أحالتها الى منظمة  أتحاد نساء اليمن لتسهيل حصولها على خدمات قانونية والقيام بإجراءات الطلاق ممن كان سبباً في تدميرها ووصولها إلى هذه الحالةوبالفعل تم الطلاق غيابيًا، وذلك بسبب عدم ظهور الزوج الذي لم ينتابه فضول رؤية ابنته أو السؤال عنها.

وبعد مرور ما يقارب الخمسة أشهر من العلاج والجلسات النفسية، بدأت حاله مودة بالتحسن وعادت للحديث بصوتها المناسب لعمرها، بالإضافة إلى اختفاء أغلب الأعراض الذهانية وأصبحت اجتماعية تتبادل الأحاديث مع من حولها وتشارك في الأنشطة التي تقام في قسم الرقود من تطريز وأشغال يدوية وأحيانًا الرسم، وأيضًا أصبح كلامها أكثر منطقية، ولديها الكثير من الأحلام، منها الاعتناء بابنتها، كما أنها بدأت بالبحث عن عمل يساعدها.

تقول أخت مودة: "كنت فاقدة الأمل من شفاء أختي بعد مرورنا بعددمن الشيوخ والعديد من الأطباء، ولكن بفضل مركز الدعم النفسي وكادره المتعاون تحسنت أختي بشكل كبير  فشكرًا كثيرًا"

أما مودة فقد قالت: "أصبحت أرى الحياة بشكل مختلف، فلدي هدية من الرحمن وهي ابنتي، وسأظل قوية لأجلها ولأجل نفسي، إنها بمثابة بداية حياة جديدة ".

مشاركة:

القائمة البريدية

للحصول على آخر تحديثات وأخبار المنظمة