الإثنين, 03 يوليو, 2023

زواج الشغار

نادية ( أسم مستعار )  فتاة في ال 26من العمر، من إحدى قرى مديرية شرعب بمحافظة تعز، والدها كان مصاباً باضطراب ذهاني، قبل أن يفارق الحياة وهي في ال 15 من عمرها.

 مرض الأب كان له آثار قاسية على نادية حيث بسببه ظهرت بوادر المرض عليها وهي في بواكير مرحلة شبابها؛ فقد كان الأب يتعامل معها بقسوة وبشكل سيء جداً؛ متخذاً من الضرب المبرح والكلام الجارح والسب والشتم والامتهان منهجاً وسلوكاً للتعامل معها، وإلى حد لا يطاق ولا يحتمل.

مرت الأيام وقررت والدتها تزويجها وهي في الثامنة عشرة من عمرها زواج شغار من ابن عمتها ،وتتلخص فكرة زواج الشغار أو البدل في أن يقوم الرجل بتزويج وليته (ابنته أو أخته) لرجل ما، على أن يزوجه الآخر وليته بدون صَداق أو مهر.

ومن التبعات الكارثية لهذا الزواج القسري أن الزوج (ابن العم )لم يتقبلها لأنها لم تكن تملك  المواصفات التي يريدها وإنما غُصب على الزواج منها بسبب القرابة، وكانت فترة مكوثه معها لا تتعدى بضعة أيام وبعدها لجأ للهروب من زوجته وكان الناس كثيراً ما يحاولون إثناءه عن هذا الطريق، وإعادته لزوجته لكنه كان يعود ومن ثم يعاود هجرها. وفي هروبه الأخير كانت نادية في بداية حملها، ولم يكن هذا الهروب كسابقيه؛ فقد سافر الزوج وفارق الديار بلا رجعة.

صبرت نادية في بيت زوجها محتسبة تشعر بالحزن والأسى على غياب زوجها وتجاهله لها من جهة، ومن جهة أخرى على عمتها" أم زوجها" وامتهانها لها والتعامل معها كالخادمة تلقي عليها الأوامر بتنفيذ كافة الأعمال الشاقة والمرهقة.

وضعت نادية جنينها ، الذي بعث لديها الأمل في أنه ربما يكون سبباً ودافعاً لأبيه في العودة إليهم، وبينما كانت نادية تعيش هذا الأمل فوجئت بورقة طلاقها  ، هذا الطلاق كان صادماً لها بشكل كبير ما جعلها تبكي لأيام عدة دون توقف حزينة على ما مضى من صبرها وتحملها أملاً بعودته وشعور هابالخوف الشديد مما ينتظرها في منزل أبيها.  ولم يكتفي بذلك فقط فقدانتزع منها طفلها عنوة ، وعادت إلى بيت أهلها مكسورة حزينة.

لم يبقى لنادية من حل تتدبر فيه شؤون حياتها بعد الطلاق والتعامل القاسي تجاهها من قبل أسرتها سوى مطالبتها بحصتها في الميراث من بعد والدها، لتستعين بها على ظروف الحياة الصعبة والقاهرة.

لكنها تلقت صدمة أخرى. وذلك حين قوبل طلبها بالرفض التام من الإخوة والأم وأوضحوا لها صراحة بأنهم لا يعترفون لها بأي حق في الإرث، وذلك بناء على النظرة السائدة عند بعض االقرى اليمنية  بأن البنات يورثن ولا يرثن.

لم تستطع نادية تحمل كل هذه الصدمات ،فظهر عليها التعب الشديد وانهزمت أمام قسوة الحياة، فأمست لا تستطيع النوم، وصارت انطوائية وعصبية، مضطربة في كلامها، وكان يلازمها البكاء على الدوام، وتحاول الهروب باستمرار.

 لم تتحمل الأم حالة نادية السيئة فقامت بحبسها والإغلاق عليها في غرفة بجانب البيت، بعد أن كبلتها بالقيود، وتركتها لا أنيس لها سوى الوحشة والوحدة والظلام الذي يحيط بها من كل ناحية ولا يفارقها لحظة.يرمى لها بالأكل والماء شأنها في ذلك شأن بهيمة الأنعام أو الدواب ... لا اهتمام، ولا رحمة ولا مراعاة!

هذه المعاملة الوحشية من الأسرة جعلتها عدوانية وأصبحت تحطم وتكسر كل شيء يمكنها كسره مما تصل إليه بداخل تلك الغرفة؛ ونظراً لقرب الغرفة التي كانت فيها من بيت عمها  والذي كان ايضاً والد طليقها فقد كانوا يسمعونها وهي تضحك وتبكي، تصرخ وتكلم نفسها، وعندما لاحظوا  أن صوتها اصبح مسموع في الحارة ، جاء عمها وضربها ضرباً مبرحاً، إلى حد أنه قام بنزع أظفارها من أصابعها بلا هوادة، وبقلب خال من المشاعر ومفرغ تماماً من الإنسانية!

ظلت نادية حبيسة ومقيدة ومهملة في تلك الغرفة إلى أن عاد أحد إخوتها من الغربة، وقد كانت تصل إليه أخبارها بأنها مريضة، ولم يكن على علم بما قام به أخوته ووالدتهم بأخته ، وحين عاد ورآها في تلك الحال المزرية، والوضع المأساوي أخذها إلى مدينة تعز، يبحث لها عن طبيب كي يعالجها، فأرشده أحد الجيران إلى مركز الدعم النفسي التابع لمؤسسة الرعاية النفسية التنموية.

تقول الأخصائية: "وصلت المريضة إلى المركز وهي في حالة صعبة جداً يندى لها الجبين ويتمزق عليها القلب ألماً وحزناً وصلت وهي لا تستطيع المشي بل كانت تقفز قفزاً؛ إذ أن يديها ورجليها كانت مكبلة بالقيود التي أحكم إغلاقها بقفل، مفتاحه مفقود، ولم نتمكن  من كسره في المركز إلا بعد مشقة بالغة".

ونظراً لصعوبة حالتها فقد قرر الطبيب المعالج تحويلها لقسم الرقود بعد تشخيص حالتها بالفصام الوجداني. وفي قسم لرقود تم البدء أولا ًبمعالجتها جسدياً، وخصوصاً رجليها، فقد كانتا بحاجة إلى تدليك؛ كون المريضة أصبحت عاجزة عن المشي، والدخول حتى إلى الحمام وهذه كانت مهمة التمريض وذلك جنباً إلى جنب الخطة الدوائية التي تم وصفها من قبل الطبيب الإستشاري ،الذي قام بمتابعتها من لحظة دخولها حتى خروجها من المركز وذلك من خلال الزيارات الدورية لقسم الرقود.  

وبعد أن تحسنت جسدياً تم الشروع في عمل الجلسات النفسية معها، وذلك بالأعتماد على عدد من الفنيات منها التنفيس الانفعالي للمريضة من خلال فنية التداعي الحر ومن ثم تم الانتقال للعلاج المعرفي السلوكي وذلك من خلال رفع تقدير الذات لديها والتركيز على المميزات الموجودة عندها وذلك من أجل أن تنظر للحياة من حولها بطريقة ايجابية ناهيك عن اكسابها مهارات تساعدها على مواجهة الحياة منها التكيف مع الضغوطات وحل المشكلات.

وبالتزامن مع الجلسات تم عقد جلسات إرشاد أسري ، لتهيئة جو أسري مناسب للمريضة، وتم عمل جلسات مكثفة مع بعض اخوتها، وأيضا تم تكثيف الجلسات مع الأم؛ كونها كانت قاسية جداً مع نادية ،وبعد التوعية الأسرية والجلسات المكثفه تم تجهيز غرفة في بيت الأخ في مدينة تعز الذي تكفل برعايتها فور خروجها من المركز .

وبعد مرور ثلاثة أشهر من العناية المركزة في قسم الرقود والعلاج والجلسات النفسية بدأت  حالة  نادية تستقر شيئا فشيئا، إلى أن استعادت عافيتها، وعادت إلى الوضع الطبيعي المنشود. وأصبحت تتكلم مع الآخرين.. تناقش بعقلانية.. تمزح برزانة.. تفكر باتزان يتناسب مع عمرها ونضجها.

 يقول الاخ: "في البداية لم أكن أتوقع أنه يوجد مركز متخصص يقدم كل هذه الخدمات المجانية ،لكن بعدما شاهدت الجهود التي بٌذلت من أجل انتشال أختي من حالتها والاهتمام الذي لاقته والتحسن الكبير لحالتها سعُدت كثيراً لأننا في أمس الحاجة لمثل هذه  المراكز المتخصصة في الدعم النفسي  ، كل الشكر لمركز الدعم النفسي ولصندوق الأمم المتحدة ا للسكان ، وأتمنى استمرارية هذا المشروع الجبار".

تقول الأخصائية النفسية : "زواج البدل (الشغار) أحد أسوأ أشكال العنف ضد النساء، وله آثار نفسية سيئة تصيب المرأة على المدى القصير  و الطويل"، وللأسف أغلب الأسر يقومون بتعنيف المرأة أكثر بعد طلاقها، بدلاً من أ حتوائها، والكثير من الأسر تجهل أهمية الصحة النفسية، ولا تبدأ بعلاج فتياتها إلا عندما تبدو عليهنّ أعراض الجنون".

مشاركة:

القائمة البريدية

للحصول على آخر تحديثات وأخبار المنظمة