عودة أمل
الناجية (ج.م) امرأة من مديرية المشنة بمحافظة إب تبلغ من العمر ثمانية وأربعين عاماً أرملة ولها خمسة أبناء.
عاشت طفولة بائسة، فقد نشأت في أسرة مفككة يسودها الجهل والظلم وتدني المستوى الإقتصادي ، عانت من الحرمان العاطفي والمادي بشكل كبير جداً في حياتها، فقد كانت معاملة أمها لها سيئة جداً فكانت تستخدم الألفاظ الجارحة معها بإستمرار تقول الناجية (ج .م) " أمي لم تحبني قط فقد كانت تتمنى أن ترزق بذكر ولكن رزقها الله بي ".
أثناء سن المراهقة تعرضت الناجية لتحرش جنسي من قبل أخيها وعلى الرغم من علم أمها بذلك ، ولكنها لم تحرك ساكناً ، كما وقفت أمها حائلاً أمام تزويجها بالشخص الذي كانت تحبه ويحبها، وزوجتها قسراً وهي لم تصل بعد سن الثامنة عشرة، برجل يكبرها بثلاثين سنة، متزوج أيضاً بامرأة أخرى قبلها لم تنجب له أطفال. لم تتوفق (ج.م)في هذه الزيجة التي كانت عبارة عن سجن آخر لطفولتها، وأحلامها، بسبب العنف الجسدي واللفظي الممارس ضدها من قبل الزوجة الأولى (ضرتها) بل وصل الأمر أنها حاولت قتلها بحادث سيارة، لولا أن الجيران أنقذوها منه.
كل العوامل والظروف السابقة أثرت في نفسية(ج.م) ، وبدأت تظهر عليها أعراض الإكتئاب الشديد: كالعزلة الاجتماعية، والتردد وعدم القدرة على الحسم وإتخاذ القرار ،وبدأت تعاني من الأوهام والضلالات التي تنسجم مع الأعراض الاكتئابية وصولاً الى إقدامها عده مرات على الانتحار.
زادت معاناة (ج.م ) أكثر عندما أنجبت طفلها الأول وهي في سن صغير لايسمح لها بالإنجاب وتحمل مسئولية أعباء الطفل ، الامر الذي تسبب في تدهور حالتها النفسية فلم تعد قادرة على التحمل ،كانت تهرب الى بيت أبيها، وأمها تعيدها لبيت الزوجية في كل مره، فكانت ( ج.م) تشعر بأنها مكروهة من الكل، لم تنتهي مأساة (ج .م) هنا فقد مرض زوجها لعشر ة أعوام تقريباً وهي من تحملت أعباء العناية به رغم حالتها النفسية السيئة، توفى زوجها تاركاً لها خمسة أبناء.
نتيجة تراكم الصدمات النفسية التي تعرضت لها خلال هذه السنوات و قلة وعي الحالة ومن حولها بالمرض النفسي و تأخرها في حصولها على العلاج اللازم تفاقمت حالتها جداً ، فترددت على المشعوذين ظناً منها أن عندها مس شيطاني بسبب نوبة الهلع التي كانت تأتيها أحياناً وعندما تم عرضها على طبيب بشري اخبرهم أنها دخلت بحالة نفسية إكتئابيه شديده ، وأن عليهم أخذها إلى طبيب نفسي وبالفعل ترددت على العديد من الأطباء النفسيين، وتحسنت حالتها نسبياً، ولكن أقتصر علاجها على الأدوية النفسية فقط و بسبب ظروفها المادية الصعبة لم تكن تتناول الحالة الأدوية بشكل مستمر ومنتظم مما ترتب عليه انتكاسة حالتها .
جاء بصيص الأمل عن طريق أحد صديقاتها التي سبق لها العلاج في مركز الدعم النفسي والتي أخبرت (ج.م) أنها ستتلقى العناية والاهتمام الذي تحتاجه في المركز وبدون مقابل مادي وهذا ما دفعها الى سرعه الذهاب الى المركز .
" عند زيارتي الأولى للمركز ظننت أن الطبيب النفسي سيقرر لي بعض الأدوية في نهاية الجلسة كما هي العادة دائماً في كل زياراتي للأطباء النفسيين، ولكن عندما أطلعتني الأخصائية على الخطة العلاجية الذي ترتكز على جانب الأدوية بالإضافة إلى الجلسات النفسية والتأهيليه أيقنت أن هذه المرة ستكون مختلفة وسأتعافى " .
حضرت الحالة الى مركز الدعم النفسي التابع لمؤسسة الرعاية النفسية التنموية من أجل معاينتها وتشخيص حالتها وتم عمل جلسة تقييم وعمل بعض المقاييس النفسية التي أثبتت أنها فعلاً أنها تعاني من إكتئاب نفسي شديد، في الجلسة الثانية تم عمل خطة مع المريضة لمواجهة هذه المشكلة واستعرض معها ما يجب عليها أن تقوم به خلال الأيام القادمة لتخفيف الاكتئاب النفسي كما تم إحالتها إلى الطبيب النفسي الذي بدوره قام بتقييم الحالة وإعداد خطة دوائية تتزامن مع الخطة العلاجية، ومع الجلسات الدعم النفسي الفردية والجماعية الهادفة والمتابعة المتواصلة شهرياً عبر قوائم التقييم، لوحظ تحسن حاله المريضه وتلاشي الأعراض التي كانت ظاهرة مما جعل الطبيب يتبع خطة لتخفيف الجرعات العلاجية بعد التأكد من استقرار حالة المريضة.
"أثناء جلسة الدعم الجماعي الأولى والتي كانت تضم مجموعة من النساء اللاتي يعانين من نفس مشكلتي، تحدثت فيها الحاضرات عن مشاكلهن والأعراض التي يعانين منها مما شجعني على التحدث بدون خجل ، كنت سعيدة جداً ذلك اليوم لإني أحسست أني لست وحيدة وان هناك من يساندني " قالت (ج .م).
اليوم أصبحت (ج.م) تواجه مشاكلها بكل جرأة وشجاعة وكفاءة ومقدرة عالية، موجهة الشكر للمركز والقائمين عليه ، لما قدموه داعية لهم بالأجر العظيم على ما قاموا به تجاهها.
وقد عبرت الناجية عن تحسنها بالقول أنها بعافية بفضل من الله والمركز عادت لها الثقة بنفسها وأصبحت تشعر بالإستقرار النفسي والمعيشي الذي كانت قد افتقدته تماماً قبل ترددها على المركز.
خلال العام 2021 ، وبدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان قامت مؤسسة الرعاية النفسية التنموية بتقديم خدمات الدعم النفسي المتخصص لأكثر من 6048 مستفيدة .