الخميس, 15 ديسمبر, 2022

خدمات الدعم النفسي ساعدت خديجة على تخطي محنتها

الناجية خديجة (اسم مستعار) البالغة من العمر 45 عاماً، امرأة من مديرية ريف إب  بمحافظة إب، متزوجة ولديها 3 أبناء ذكور ، عاشت خديجة طفولة بائسة في أسرة مفككة، يملؤها الجهل والظلم، فقد انفصل والديها  وهي بعمر 8 سنوات، وكانت الأخت الكبرى لأخ وأخت  أصغر منها، وكانوا يعيشون جميعا في بيت الجد للأم.

بعد زواج والدها من امرأة أخرى، قام بأخذ خديجة بالقوة من منزل جدها وأجبرها على ترك المدرسة وهي في الصف الثالث لتعيش معه وزوجته من أجل خدمتهم، وقد كانت زوجة والدها قاسية جداً في التعامل معها، وكانت توكل لها جميع اعمال المنزل بدون مراعاة المرحلة العمرية لها، بالإضافة الى تعرضها للعديد من أنواع العنف كالضرب والإساءة اللفظية، والحرمان من الطفولة والتعليم وأبسط الحقوق الأساسية كالأكل والشرب واللبس.

تقول  خديجة:" كم كنت أشعر بالقهر حينما تيقظني خالتي من النوم لتجهيز أخوتي الذكور للذهاب إلى المدرسة ، وبينما هم يدرسون أنا انظف المنزل  "

عانت خديجة  كثير جداً في حياتها مع والدها وزوجته، حيث كان والدها يستجيب لتحريض زوجته ضد خديجة دونما تريث أو تأكد من صدق ما يقال له عنها، وزادت معاناتها أكثر وأكثر عندما احضر والدها اخوتها الصغار الذي كانوا في بيت الجد ليعيشوا معهم، ، حيث تحملت مسئولية مضافة إلى مسئوليتها السابقة، فقد كانت قائمة على تربية أخوتها الصغار ، ومن أجلهم تحملت أشد أنواع الإهانات والمعاناة النفسية.

قالت خديجة: "عندما كنت أحضر الماء من مكان بعيد وأنا طفلة، أحياناً لا يقوى جسمي على حمل قلة الماء والتي  تتجاوز سعتها 10 لترات فكنت اضطر ان ارتاح قليلاً واحملها قليلاً، وهذا الشيء يجعلني أتأخر في العودة إلى المنزل، مما يجعل خالتي تنهال عليا بالضرب والشتم"

عندما بلغت خديجة من العمر 13 عام  تفاجأت بإعلان زواجها على ابن عمها الذي يكبرها ب (13) سنة تقريباً دون أخذ موافقتها، وحالها كحال أي فتاة مضطهدة في بيت أبيها تحلم بأن يكون الزواج طوق نجاة لها.

تقول خديجة “تزوجت وأنا طفلة، لا أعرف معنى الزواج ولا كيف أتعامل مع زوجي، بل كنت أخاف منه لإنه كان أكبر مني في السن ".

 استمرت معاناه خديجه بل وتضاعفت فقد تعرضت لعنف معنوي وجسدي من قبل الزوج ، فعانت من إهمال زوجها الذي قام بهجرها والدخول في علاقات عاطفية مع نساء أخريات، وعانت كذلك من أسرته التي حملتها أعباء ومهمات لا تتناسب مع قدرتها الجسمية والنفسية، كما انها عانت من مشاكل صحية في الحمل بسبب صغر سنها وسوء التغذية وكثرة الأعباء والمهام المنزلية الموكلة لها مما أدى الى تدهور حالتها النفسية وكذلك تدهور حالتها الصحية وهي في فتره حملها الأول والثاني و تسبب  ذلك في فقدانها لكل منهما بعد الولادة بفترات لا تتجاوز السبعة أيام .

 تقول  خديجة : "قالت الطبيبة إن رحمي سليم  ولكنني صغيرة و جسمي ما يزال ينمو وهذا سبب فقداني لجنيني "

اصبحت خديجة بعمر(20) تقريباً واكتمل نموها الجسمي بشكل طبيعي، انجبت أطفالها الثالث والرابع والخامس ،وبمرور الأيام ازدادت الخلافات مع زوجها وتطورت إلى الهجران والتخلي التام عنها وعن أطفالها، وحدث ما لم يكن في الحسبان حيث قام الزوج بتطليقها، لتنهار خديجة بعدها مباشرة وتدخل في دوامة المرض النفسي تدريجياً، إذ بدأت تظهر عليها أعراض الحزن والبكاء والانطواء، وعندها أُعِيدت إلى بيت أبيها، لتتضاعف مسئولياتها ومعاناتها، بسبب سوء معاملتهم لها ولأخوتها ولأطفالها الثلاثة، والتي تحملت من أجلهم ما لا يحتمله بشر.

وبعد مرور (3) سنوات من الصبر والتحمل والتعب والتعايش الأليم مع الأب وزوجته، لم تعد الناجية قادرة على التحمل ومواصلة العيش معهم ، فقررت الذهاب والعيش مع أحد أخوالها، ضمانا لكسب العيش الكريم على الأقل وتوفير فرصه التعليم لأبنائها، تلك الفرصة التي حرمت منها عندما كانت طفلة.

ونتيجة التحمل للضغوطات السابقة منذ الطفولة وحتى اللحظة التي قررت فيها الذهاب إلى بيت خالها زادت الأعراض النفسية المرضية التي اشتدت عليها حيث ظهرت بصورة جلية  بأعراض الاكتئاب الشديد مع بعض الاعراض الذهانية من انخفاض شديد في المزاج، وانعدام المتعة في الحياة، والعصبية الزائدة ، والضيق والكآبة والبكاء وكره الحياة  والهروب من المنزل والشعور باليأس لدرجة محاولتها الانتحار أكثر من مرة، حتى أنها فكرت بقتل أبناءها رحمة ورفقا بهم من هذه الحياة البائسة والظلم الجائر من كل المحيطين بها.

وفي بيت الخال تعدلت حالتها قليلاً بعد ذهابها الى عيادة طبيب نفسي خاصة ، ولكن نظراً لضعف حالتها المادية، لم تكن قادرة على شراء الدواء بًستمرار، الأمر الذي أدى إلى بقاء حالتها متذبذبة بين التعافي والانتكاسة، إلى أن سمعت من إحدى جاراتها بوجود مركز للدعم النفسي يقدم خدمات الدعم النفسي  مجاناً ، وهكذا وصلت خديجة إلى مركز الدعم النفسي التابع لمؤسسة الرعاية النفسية التنموية ، وعندها تم استقبالها، وتهدئتها وتقديم الدعم النفسي الأوليً بعدها عُرضت على  الطبيب  النفسي والذي شخص حالتها باكتئاب شديد مصاحب لأعراض ذهانية، ليتم وضع خطة علاجية متكاملة بدأت بالتركيز على الجانب الدوائي وذلك لتهدئة المريضة.

وبعد استقرار حالتها بدأت بالجلسات النفسية مع الأخصائية النفسية المتابعة لها، حيث ركزت الخطة العلاجية على الجلسات النفسية بفنياتها المعرفية والسلوكية، وعلى جلسات الإرشاد الأسري التي تضمنت  الاخت والأبناء من الأسرة من أجل تهيئة جو أسري داعم لها، وأخيراً العلاج بالعمل حيث تم مساعدتها على تنمية مهاراتها العملية وتشجيعها على الخياطة .

 وبعد ما يقارب الستة الأشهر من العلاج الدوائي، والجلسات النفسية التي اجريت معها، والمتابعة المستمرة لها لوحظ تحسُنها، واستطاعت من خلال ذلك ان تعود لحالتها الطبيعية وتكتسب طرق للعيش وتكتشف قدراتها وإمكاناتها في الخياطة، حيث استطاعت ان تشتري مكينة خياطة بالتقسيط وتساعد نفسها وأولادها على العيش، كما انها عادت إلى زوجها بإلحاح من ابناءها، و تم لم شمل الأسرة وبناءها من جديد.

تقول خديجة :"مامررت بها كان صعباً  ، ولكني شفيت كثيراً بعد الدعم النفسي  الذي تلقيته في مركز الدعم النفسي "

وتضيف: "دائماً ما كان يملي عليّ الآخرون كيف ألبس، وأين أذهب، وكيف أعيش حياتي. الآن، أعلم أنني امتلك هذه الخيارات. أشعر بالثقة، وأصبح تركزي على تطوير مهارتي في الخياطة وتوسيع مشروعي ".

بتمويل من صندوق الأمم المتحدة للسكان تنفذ مؤسسة الرعاية النفسية التنموية مشروع مركز الدعم النفسي في كلاً من محافظة إب وتعز ، ويقدم المركز خدمات الدعم النفسي المتخصص والغير متخصص للناجيات من العنف القائم على النوع الإجتماعي والنساء والفتيات المعرضات لخطر العنف القائم على النوع الإجتماعي.

مشاركة:

القائمة البريدية

للحصول على آخر تحديثات وأخبار المنظمة